هل سمعتم عن مثلث كاربمان الدرامي؟ إنه مثلث لم ينل شهرة كبيرة عند العامة. فهو تقريبا غير معروف في وسطنا. و لكنه أكثر تدميرا و خطرا من مثلث برمودا الشهير. فعالم النفس الأمريكي ستيفن كاربمان اقترح سنة 1968 نظرية المثلث الدرامي ليشرح العلاقات المعقدة الغير المتوازنة و ألعاب المناورات النفسية الغير الصحية و المدمرة التي يدخل فيها المرء عن قصد أو غير قصد مع محيطه.
فحسب كاربمان، في معظم الأزمات و الخلافات اليومية التي يعيشها الأفراد فيما بينهم فإنهم في الغالب يكونون ضحية المثلث الدرامي. فبالنسبة إليه، معظم الناس في مختلف المواقف اليومية سيتقمصون إحدى الأدوار الثلاث و سيغيرونها حسب الظروف. فإما سيمثل دور الظالم أو سيلعب دور الضحية أو سيكون هو المنقذ. و متى دخل الفرد في لعبة الظالم/ الضحية/ المنقذ ، فإنه سوف لن يخرج منها أبدا و سيسقط ضحية هذا المثلث الدرامي الذي سيدور في وسطه إلى ما لا نهاية.
و لتقريب الفكرة إلى القارئ، سنحاول أن نتخيل سيناريو بين الزوج و الزوجة و الإبن باستعمال المثلث الدرامي.
الزوجة توقظ ابنها في الصباح ليذهب إلى المدرسة، الابن ( الضحية) يتمارض كي لا يذهب إلى المدرسة. الزوجة ( المنقذة) تربت على رأس ابنها بحنان و تدعوه ليرتاح. الزوج (الظالم) يصرخ في وجه زوجته ( الضحية) لتحضر الفطور و لتبحث له عن جواربه و ربطة العنق التي سيرتديها. تعد الفطور، تأخذ الصينية إلى فراش ابنها الصغير، ابنها ( الظالم) سيصرخ في وجهها بأنه لا يريد الفطور، الأم ( الضحية) ستبدأ في البكاء بشكل هستيري، الابن ( المنقذ) سيحاول أن يطيب خاطر أمه، سيظهر الزوج ليحاول أن يفهم ما يقع، ستصرخ الزوجة ( الظالمة) في و جهه بأنه أناني لا يحب إلا نفسه و بأنه لا يهتم بها و لا بابنه المريض. سيتدخل الابن ( المنقذ) ليشرح بأنه بخير و بأن وعكته خفيفة و يمكنه أن يذهب إلى المدرسة لإرضاء والديه… و تستمر الدراما الوهمية إلى ما لا نهاية و يستمر الزوج و الزوجة و الابن في تبادل أدوار الظالم/ الضحية/ الجلاد فيما بينهم…
إن مثلث كاربمان في حقيقته يخفي لعبة المناورة من أجل السلطة أو السيطرة أو الانفلات من العقاب. كما يخفي الشعور بانعدام الثقة و الأمان مما يجعل مختلف الأطراف تناور و ترضى بلعب أحد هذه الأدوار.
و لو تأملنا نوع العلاقات المبنية منذ الاستقلال إلى يومنا هذا بين الشعب و الأحزاب و المخزن ، فإننا للأسف سنكتشف بأنها تدور في مثلث كاربمان الدرامي. حيث المخزن سابقا أيام المرحوم ادريس البصري كان يلعب دور الظالم المستبد، و الأحزاب تمثل دور الضحية المغلوب على أمرها، أما الشعب فإنه كان يلعب دور المنقذ حيث كان يقف متكتلا مساندا الأحزاب ضدا عن المخزن. أما اليوم فإن الأحزاب تلعب دور الظالم و الشعب يلعب دور الضحية والمخزن يلعب دور المنقذ. و لو استمررنا في هذه اللعبة إلى ما لا نهاية فقد يلعب الشعب مستقبلا دور الظالم و المخزن سيتقمص دور الضحية و الأحزاب ستحاول أن تلعب دور المنقذ. و هكذا دواليك…
و لكن هذا المثلث الدرامي ليس في مصلحة الشعب و لا الأحزاب و لا المخزن، لأنه بدل أن تنكب مختلف مكونات المغرب للعمل على تطور البلاد و للبحث عن إيجاد حلول للمشاكل التي تعيق الازدهار الاجتماعي و الاقتصادي من تعليم و صحة و تحسين جودة الخدمات العامة، فإن مختلف الأطراف تبنت مع بعضها البعض صراعات واهية و لعبت أدوار وهمية لم تستطع الخروج منها بعد.
أمل مسعود
تعليقات