الأربعاء 24 أبريل 2024| آخر تحديث 6:07 03/02



اللغة الإنجليزية وما أدراك ما هي تداعياتها

اللغة الإنجليزية وما أدراك ما هي تداعياتها

unnamed

ظهرت أخيرا في الساحة المغربية آثار جدية حول مناقشة تدريس اللغة

الإنجليزية وحول تدريس العلوم بها على أمل التخلص من سيطرة اللغة الفرنسية التي طغت ولم تعد لها الوظيفية المنشودة في رقي المجتمع المغربي في جميع مجالات الحياة. والمتتبع لتطور المغرب وتقدمه نحو أفاق جديدة لا يسعه إلا أن يلاحظ بأن  معظم التعليقات والكتابات تشير وتتبنى إيجابية وطيفية اللغة الإنجليزية وضرورة تعليمها في المدارس المغربية وربما تتخذ الحكومة قرارا بهذا الشأن في المستقبل القريب بناءا على ما قد يقترحه مجلس التعليم العالي رغم اختلافات توجهات أعضاءه. لكن قرارا مثل هذا بجرة قلم قد تكون له عواقب وخيمة وتبعات لا حصر لها.

طبعا،  مما لا شك فيه أن معظم المغاربة، ومنهم بعض الفقهاء، سيفضلون أن تكون هذه اللغة في أول قائمة اللغات الأجنبية في مجتمعهم، لكن المشكل ليس في اللغات وتدريسها، لأن عبقرية المغاربة في اتقان  اللغات أمر لا ينكره إلا جاهل وجاحد. يتقن المغاربة كل اللغات التي ينفتحون عليها إما كرها أو طوعا ولضروريات الحياة والعيش وتاريخ المغرب العريق يشهد بذلك. المشكل هو عدم الجدية والمهنية من قبل المسئولين وعدم الاستناد على المنهجية العلمية وذوي الكفاءات والتكوين الأكاديمي والخبراء من الطراز العالي العالمي واعتمادهم على الارتجالية والأهواء وتفننهم في إقصاء الذين لا يصفقون  لبعض قراراتهم ولا ينافقون ضمائرهم  ولا يجاملون أحدا في الأمور العلمية لأنهم تعودوا وتدربوا على استعمال العقل واستهداف المعرفة بغض النظر عن الميولات والأهواء الشخصية والمجاملات الزائدة.

لقد كتبت منذ فترة عدة مقالات عن التربية وعن اللغات واقترحت عددا من الأفكار من بينها إنشاء بنك للمقترحات يفتح أبوابه لمساهمة جميع المغاربة في الداخل وفي الخارج تتولى لجان علمية دراستها بطرق علمية لمعالجة كارثة التعليم في بلدنا الغالي والغني. واللغات ليست إلا متغير من بين المتغيرات التي يجب أن تأخذ في عين الاعتبار بعد الاتفاق على المبادئ والأهداف والأولويات العامة التي يتبناها جميع المغاربة والنابعة من قيمهم وكيانهم وتاريخهم وثقافتهم لبناء مستقبل زاهر والمساهمة في محاربة الجهل والشعوذة التي يمرغ فيها المجتمع وليساهموا أيضا في تقدم البشرية وبناء السلم العالمي والتعاون الذي تنشده الإنسانية على هذه البسيطة.

بالرغم من كل هذه الاقتراحات وبالرغم من مساهمات الكثير من الأقلام والمفكرين الصادقين المتنورين، فإن النخب المسيطرة على زمام الأمور في جميع المجالات ما تزال تحتكر كل شيء وتضع في أذانها وقرا وتستبعد مشاركة ذوي الكفاءات من المواطنين والمواطنات وتقمع كل من ليس عضوا في نادي استبدادها وعنجهيتها، كأنه لا يوجد في المغرب ذوي المروءة والعقل والتعليم غيرهم وكان المواطنين لا يدركون ألاعيبهم ومراوغاتهم واختلاسات وعبث بعضهم بخيرات البلد وعقول المغاربة. هذا علاوة على المخصصات المجزية التي انتهت الحكومة الموقرة برصدها للتو للذين اختيروا للمجلس الأعلى للتعليم بدون اجتياز المباريات العلمية التي يجبر الآخرون لاجتيازها مع العلم ان معظمهم يتربعون على وظائف رسمية بدخل سخي وعلما أيضا بأن كثيرا من ذوي الكفاءات يطاردون رمق العيش ولا يجدونه إلا ناذرا سواء تواجدوا في الداخل أو في الخارج.

وبالنظر إلى التعليم وقبول الطلاب في كل التخصصات التي يتم ولوجها بشراء المقاعد والوساطة والمحسوبية والرشاوى والزبونة التي لا يجهلها أحد، وعند اعتبار تعليم اللغات في نظامنا التربوي، فإننا نجد أنه منذ زمن بعيد واللغة الفرنسية تدرس وتدرس اللغتين الوطنيتين وما كانت النتيجة إلا كارثة جلية للعميان في مستوى تحصيل الذين خضعوا للتعليم في نظامنا التعليمي المريض إلى يومنا هذا  وذلك في جميع مراحل التعليم.

النخبة المسيطرة أنشأت مؤسسات بأسماء براقة من المعاهد وتكوين الأطر والمدارس العليا لتكوين الأساتذة وغير ذلك، وكلها أسماء على مسميات ما يوجد في الدول الأخرى ومع هذا فطلابنا لا يتقنون لا العربية ولا الفرنسية ناهيك عن جهلهم بالثقافة والتاريخ والعلوم والآداب أللهم ما كان من ترديد بعض مقولات الفقهاء التي أكل عليها الدهر وشرب. الشلة التي أدارت الوضع وفرنست وعربت وبرمجت وشالت وأضافت وزادت وطورت واستعجلت واستقطعت وألغت وتنوي الآن ربما أن تلج عالم التعليم الأنجلوفوني قد فشلت في كل ما قدمت من قبل. الجميع يعلم هذا ويدركه تمام الإدراك.

أمام هذا الوضع يتساءل المرء كيف بالإمكان أن ندرس اللغة الإنجليزية في جميع مراحل التعليم في مغربنا الغالي والغني ومعظم طلاب جامعاتنا المتخصصين في هذه اللغة واللغات الأخرى ما زالوا يفتقرون إلى أساسياتها وما زال النظام التعليمي يقصي كثيرا ممن تكونوا في الجامعات الأنجلوفونية ويضطرون إلى البحث عن الوظائف في المدارس الخصوصية بثمن بخس دراهم معدودة؟ أين سيجد النظام التعليمي المدرسين الأكفاء والكافيين لهذه العملية؟ أنستوردهم من الشرق ومن الغرب؟ أنكونهم في المدارس العليا للأساتذة؟ وأين هي؟ ومن يلجها؟ لقد صارت بالواسطة والرشوة حسب ما نمى إلى أسماعنا. ومن أين سيأتي مدرسو العلوم والتقنيات والطب والهندسة وكل المواد العلمية؟ إن عددا من الطلاب بالإجازات التي تمنحها جامعاتنا في الإنجليزية فقدوا الأمل في العمل في وطنهم ويحلمون بالهجرة ويشفع لهم الحديث بالإنجليزية  في الفرصة لبعضهم في تحقيق ذلك الحلم. ثم أي تكوين وتحصيل يا ترى يحصل عليه الطالب الجامعي في ثلاث سنوات في أي تخصص وما بالك في اللغة، أي لغة كانت؟ أليس ذلك عبثا ولعبا بالتربية برمتها؟ أفهم أن ذلك يخفف من الميزانية والنفقات لكنه يضل من باب “كور واعط للأعور” كما يقول المغاربة. وأفهم أيضا أنه لو كان التعليم الثانوي قويا ومن الطراز العالي، فقذ تكون ثلاث سنوات العليم الجامعي كفيلة بتحقيق الأهداف في التكوين والتحصيل، لكن رداءة الثانوي وما قبله يشهد له القاصي والداني، ولماذا لا يحاسب المغاربة والمجلس العالي للتعليم أنفسهم وتقويم بجدية هذه السنوات الثلاثة  التي لم يطرحوا أي تسائل جدي حولها؟ أتف بالغرض خارج نطاق توفير بعض الدراهم على حساب نوعية التكوين المنشود فعلا؟ وهل نظامنا أحسن من الأنظمة الأخرى التي تمنح الإجازات بعد أربع سنوات من التحصيل الجدي؟ كان من الأجدى نظرا لرداءة التعليم الثانوي وما قبله أن تقرر الجامعات اجبارية سنة استدراكية لتزويد طلاب جامعاتنا بالمهارات الضرورية للدراسة الجامعية الجدية وعلى المستوى المطلوب، لكن كلام المجانين مثلي لا يعبأ به حتى عند اعتبار ا مقولة”خذوا الحكمة من أفواه المجانين” التي لا تخلو من بعض الفائدة. وأين نشر نداء لاستقطاب الخبراء والمهنيين من المغاربة حتى وإن كان الطلب بالتطوع والمساهمة المجانية مع حاجة بعضهم حتى إلى تعبئة هواتفهم ناهيك عن الخبز والإدام كما يقال.

يصاف إلى هذا ما يسمى بالاكتظاظ ولا يدري معنى هذا إلا الأساتذة الذين يواجهون مئات الطلاب في المدرجات وفي القاعات الدراسية, فما معنى تدريس مختلف المهارات اللغوية في اللغات ، وأعني الإنجليزية بالخصوص، لمئات الطلاب في القاعة الدراسية؟ أكثر من نصفهم لا يحضر أصلا ولا رادع لذلك,وإذا اعتبرنا الوقت الذي يقضيه الأستاذ في التصحيح ورصد الدرجات، فحدث ولا حرج ولزيادة الطينة بلة، فمباشرة بعد إعلان النتائج وظهور قوائم الناجحين والراسبين  ينهمك الأساتذة ويتجند الطلاب لشوط ثاني المسمى الدورة الاستدراكية للراسبين في الشوط الأول(لا شك أننا مولعون بالكرة) ويقضي الأستاذ مرة أخرى فترة سجن في التصحيح ورصد الدرجات وهكذا تستمر دوامة الامتحانات واستغلال الوقت في متاهات لا أول لها ولا آخر ويضيع وقت التدريس الجدي والتحصيل الدراسي وينتهي الفصل والسنة الدراسية والتعليم في مهب الريح وندعي تحقيق الأهداف التربوية ويتخرج من يتخرج ويرسب من يرسب ونعيد الكرة عام بعد عام والعالم يتقدم ونحن ننظر إليه وندعي أننا نتقدم أيضا وهو فعلا تقدم إلى مزيد من الجهل والشعوذة كفيلة بشفاء كل أمراضنا من السرطان إلى الحصول على عمل والرضا من الرؤساء وقضاء جميع الحوائج بل حتى النجاح في الامتحانات ومن يشك في ذلك قد يتهم بالكفر ويا لها من جريمة.

يذكرني هذا الوضع بقصة تصف وضع التعليم والساهرين عليه، إلا أن بطلها ثعلب ويحكى أنه اكتشف أن عجوزا تملك من الدجاج ما يمكن ان يتخذه وليمة شهية وهو دجاج بلدي يثير اللعاب حتى عند الآدميين، فخطط الثعلب أن يتستر ويلج بيت العجوز في الليل وهي غارقة في النوم ليلتهم الفرائس ويتمتع بوليمته بعيدا عن أنظار العجوز وتربص بها الدوائر حتى اطمئن على سلامة الخطة وتسرب خلسة إلى البيت باحثا عن كنزه، وما هي إلا لحظة حتى اكتشف التنور الذي اجتمع فيه الدجاج الذي بدأ يصدر قققاته المألوفة وأصوات توحي بالهول وخطر الموقف لكنها رنات الفرح للثعلب الذي  كفته مئونة البحث لقضاء حاجته قبل ايقاظ العجوز وطرده أشر طرد. فرح ثعلبنا وقصد التنور مباشرة واللعاب يسيل من بين أنيابه فرحا وزهوا، لكن ليس كل ما يتمنى المرء والثعلب يدركانه.

الدجاج هو هذا  يسمعه ولا يراه، العجوز الذكية عملت حسابها وأحكمت إغلاق باب التنور بجلمود صخر لا يزيحه إلا عفريت مع كون فتحة للتنفس واضحة لا تسع خروج الدجاج ولا ولوج الثعلب، فتأسف غيظا وأسرها في نفسه بدعوات جهنم للعجوز التي أحبطت خطته وحرمته من الوليمة التي ابتهج بنهمها حتى سال لعابه. خاب أمل الثعلب وفكر مليا في الانتقام وتعويض خسارة المجهود والوقت الضائع بلا فائدة، فأوحي له أن يزعج الدجاج ويكدر صفو نومه فأدخل ذيله الطويل من الفتحة الصغيرة في باب التنور لإرباك الدجاج وتخويفه وحرمانه من النوم والراحة ليشفي غليله من الحرمان فصار يحرك ذيله والدجاج يقق ويتحرك باستمرار خوفا على حياته واطمئنانه وسلامته والثعلب يقول:”صهر الدجاج ولا نومه”، “صهر الدجاج ولا نومه”، وهكذا أرى النظام التعليمي والساهرين عليه منذ فترة في بلدي الغالي والغني، ضياع الوقت على التافه للأساتذة والطلاب والإدارة والأهل والمجتمع عدا النخب التي تملك البدائل في الأنظمة الأخرى والأنظمة التي تنشاها مع توفير الإمكانيات المادية التي قد تتجاوز المعقول.

كارثة التربية في المغرب لا تحتاج إلى إثباتات علمية. كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد صدمت لما انطلق أول صاروخ الاتحاد السوفيتي إلى الفضاء في سابقة لا مثيل لها وكانت صفعة استفاقت من سباتها وجندت قواها وركزت على التعليم في جميع أوجهه وبالخصوص تكوين المدرسين في العلوم واللغات والبحث ولم تمر إلا عشر سنوات حتى حطت مركبتها على سطح القمر. فهل يا ترى يمكن للمغرب أن  يتحلى بالجدية ويتسلح بالمنهجية العلمية للنهوض بتربية أبناءه وبناته إلى ما فيه الخير لمستقبلهم  والقضاء على الجهل الذي يسيطر على كينونتهم؟ أين كليات التربية التي يمكن الاعتماد عليها لمنح التكوين الأكاديمي الضروري لمواجهة التحديات المحدقة ببلدنا الغالي والغني؟ ولاية مثل ‘ولاية كاليفورنيا’ بعدد سكان المغرب تقريبا تملك عددا كبيرا من كليات التربية وتمنح درجات جامعية في تخصصات علوم التربية لا يملك منها المغرب إلا واحدة في الرباط ولا تمنح الدرجات الجامعية إلا في تخصصات قد لا يكون المغرب في حاجة إلى بعضها وهي ما تزال تدندن على التعليم المصغر ويسمونه “الميكرو أنسنيومون” وقد أكل الدهر عليه وشرب وهي طريقة تركتها هناك في السبعينات من القرن الماضي عندما كنت من منسوبي المدرسة العليا للأساتذة وقد تبناها السيد الحجمري مديرها آنذاك والذي تسبب في طردي من وظيفة التدريس ظلما وعدوانا كأن التعليم المصغر كل ما في التربية وتكوين المدرسين. أليس هذا فعلا “صهر الدجاج ولا نومه؟” كما يقول الثعلب؟

التربية شأن خطير ولا بد من تضافر جهود الجميع لمعالجته واللغة واللغات وتدريسها ليست إلا متغير من بين المتغيرات التي يجب وضعها غلى المحك وإخضاعها للمنهجية العلمية لتأتي أكلها، وأخيرا أين عدد المدرسين الكافي والمدرسين الأكفاء لسد الخصاص في حالة تعميم اللغة الإنجليزية في مدارس مغربنا الغالي والغني؟  أن العملية التربوية تحتاج إلى الثورة العلمية وقد وضعت بعض المقترحات في هذا المضمار في مقالتي المعنونة “الثورة العلمية في التربية واللغات هي ألحل” من باب المساهمة في إثراء النقاش حول هذه العملية التي لا يجب العبث بها لأنها تهم جميع المغاربة ومستقبل بلدنا الغالي والغني ولي الشرف أن أقضي كل حياتي في الميدان التربوي ومن خريجي جامعة ويسكونسن التي تحل صدارة كليات التربية في الولايات المتحدة حسب تصنيف مجلة ‘يو إس نيوز أند وورلد ربورت’.

 الدكتور عبد الغاني بوشوار

باحث وأستاذ العلوم الاجتماعية-اكادير، المغرب الآمن.

 

 







تعليقات

  • ما اثارني في المقال هو تأكدكم من تفوق المغاربة في تعلم اللغات، هل قلتم هذا استنادا على دراسات علمية ام هو تقدير شخصي؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.