الخميس 25 أبريل 2024| آخر تحديث 8:21 02/19



عندما تحضر الانتخابات ويغيب الناخبون

عندما تحضر الانتخابات ويغيب الناخبون

2022015-10ba2

نرى جازمين على كون تحديات كبيرة سيعرفها المغرب خلال سنة 2015، حيث سيكون من جهة مطالبا بتفعيل مقتضيات التقسيم الجهوي الجديد، ومن جهة أخرى السعي الحثيث إلى إنجاح الانتخابات الجماعية المسطرة إجراؤها خلال شهر شتنبر المقبل.
يبدو أن المخاوف تزداد يوما بعد يوم من جراء احتمالات تسجيل ضعف نسبة مشاركة المواطنين في الانتخابات الجماعية، وهو شيء ليس بجديد إذا ما استحضرنا نسب المشاركة في الاستحقاقات الأخيرة التي لم تكن تتجاوز في أحسن الأحوال 50% دون احتساب الأصوات الملغاة التي تقارب نصف الأصوات المعبر عنها عادة، بل المنقذ في هذه الحالة لن يكون سوى الاتكاء على نسب المشاركة المرتفعة نسبيا في العالم القروي الذي يعرف الجميع ظروف وطقوس إجراء العمليات الانتخابية فيه، في المقابل نجد أن العالم الحضري يتم تسجيل نسب مشاركة جد متدنية خصوصا بالمدن الكبرى، مما جعل الكثيرين يعتبرون أن نتائج الانتخابات في الغالب ما توظف فيها لعبة الأرقام بشكل لا يكشف عن الحجم الحقيقي لعزوف المواطنين، كما أن هذه النتائج لا تشير صراحة للشرائح الاجتماعية التي أدلت بأصواتها، لأن في ذلك مجلبة لمعطيات صادمة تذهب في تلمس حقيقة أن الطبقة المتوسطة والمثقفة التي على أكتافها يمر التغيير المنشود هي التي تسجل أكبر نسبة عزوف عن المشاركة.
العارفون بخبايا التحليل السوسيولوجي يدركون أن الأغلبية الصامتة تعبر عن أزمة ثقة، ومؤشر للإحباط اتجاه العملية السياسية، والصمت كما يقال ليس غياب في حد ذاته بل تجميع للحركة، وتراكماته مع الزمن تولد بالضرورة ردا للفعل، إذ من الصعب توقع تداعياته، وتبقى الانتخابات هي وسيلة للتنفيس و صناعة الأمل في المستقبل ، حيث بتعطلها تزداد المخاوف من آفاق الغد.
لن نجد بدا من القول أن سلوك الأحزاب السياسية على كثرتها وتعددها لم تنجح في تحقيق وعودها ولم تفلح في إقناع المواطنين بالجدوى من وجودها أصلا على الساحة السياسية، مادامت غير قادرة على القيام بأدوارها في تنزيل برامجها، حيث لا تتوانى في ترديد نفس الخطاب والاختباء وراء المؤسسة الملكية بدعوى كونهم جاؤوا فقط ليطبقوا توجيهات جلالة الملك، علما أن الدستور الجديد منحهم صلاحيات واختصاصات مهمة، ومما زاد الطين بلة نزول الخطاب السياسي إلى مستوى الحضيض مع زعماء سياسيين مل المواطن وجودهم، ويحتقرون ذكاؤه بالتركيز على نهج الشعبوية السياسية وإهمال مشاكله الحقيقية، وبات حضورهم فقط إعلامي لا يعبر صراحة عن امتداد شعبي حقيقي، حتى التجمعات الشعبية التي تنظمها هذه الأحزاب في أغلبها تجمعات يؤتت حضورها زمرة من النساء والشيوخ والأطفال المغلوب على أمرهم ولا حول لهم ولا قوة، ويراد أن يكون مكان تنظيمها في الأصقاع النائية بعيدا عن المدن الكبرى حتى لا يلقى مصيرهم مصير بعض زعماء الأحزاب الذين تم قذفهم بالحجارة.
صحيح أن الآلية الديمقراطية تعتبر تمثيلية المواطنين من مرتكزاتها الأساسية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتسيير شؤونه المحلية، غير أن ما يثير الانتباه في السنوات الأخيرة أن المواطن أصبح لا يرى غاية ترجى من تنظيم هذه الانتخابات ، حيث بقدر ما أحدثت الزيارات الملكية المكثفة لمختلف جهات ومدن المملكة دينامية جديدة أثرت بشكل إيجابي على تنمية تلك المناطق التي باتت بنياتها التحتية تتعزز، بقدر ما قزم دور المجالس المنتخبة وكأنها سحبت منها سبل المبادرة لصالح المبادرات الملكية خلال تلك الزيارات والمناسبات، وبالتالي فوجود جهاز الوصاية من ولاة وعمال ورجال سلطة فيه من الكفاية ما يجنب الدولة تبذير المال العام في العمليات الانتخابية التي يعتبر تنظيمها من طرف الكثيرين نتيجة لدواع خارجية أكثر منها داخلية.
ربما قد يتم الاهتداء إلى طرح بدائل لمواجهة ظاهرة العزوف الانتخابي، حيث يلاحظ أن وثيرة الإقبال على التسجيل في القوائم الانتخابية جد ضعيفة مما يدفع بالسلطات المحلية في أحيان كثيرة إلى تسجيل المواطنين حتى في غياب حضورهم لمكاتب التسجيل، وكذا توزيع بطائق التصويت على الناخبين في بيوتهم، وهو أمر يمكن أن يجد تبريره في كون أن هذه الظاهرة تأخذ بعدا دوليا، إذ اختارت دول عديدة خصوصا دول أمريكا الجنوبية خيار إجبارية التسجيل والتصويت ضمانا لمشاركة أكبر للمواطنين وفرزا لخريطة سياسية تكتسب جانبا مهما من الشرعية، وهي البرازيل، أستراليا، الأرجنتين، الإكوادور، الأرجواي، لوكسمبورغ، البيرو، بلجيكا، و سنغافورة.
وفي السياق ذاته ،تبقى الإشارة إلى أن الناخب في حالة غيابه عن الادلاء بصوته يوم الاقتراع يعرض نفسه لعقوبات تأديبية، كأداء للغرامات قد تصل إلى الحبس في حالة عدم دفعها، الشيء الذي يثير حفيظة المعارضين لهذه الخطوة التي يرونها، انتهاكا لحرية الفرد في التعبير ودفعه بالإكراه للتصويت تحت طائلة التعرض لعقوبات، مما يؤثر على قراراته في التصويت بالسلب.
إذا كانت سنة 2015 ستعرف ظهور نتائج الانتخابات الجماعية، فإن المواطن المغربي تهمه نتائج الموسم الفلاحي أكثر من شيء آخر، حيث سيكون من حسن حظه ومن حسن حظ الدولة كذلك أن وثيرة الأمطار الحالية تبشر بموسم فلاحي جيد يعول عليه في تحريك عجلة الاقتصاد المغربي، فالمطر إذن هو المرشح السياسي الأول للانتخابات وفوزه من فوز وإنقاذ الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، فالأمر طبيعي مادام المطر كما يقال هو الذي يصنع السياسة في المغرب.

محسن زردان







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.