بقي كل شيء ، ولم يبق أي شيء . وتفسير ذلك أن حركة 20 فبراير التي جاءت عقب الفوران الشعبي والانتفاض الجماهيري الذي عرفته جملة من الأمصار كتونس ومصر وليبيا واليمن .. . لتقول كلمتها بلسان مغربي مبين ، ولتسطر مواجع وآلام الطبقات الفقيرة والمعوزة من أبناء الشعب ، لم تحقق مطالبها ، أوفي الأقل ، جل مطالبها ، ظل كل ماعقدت عليه العزم من تحقيقه على أرض الواقع، ورؤيته رؤية العين في الواقع الملموس ، حبرا وديباجة وصياغة ، ومؤتمرات وندوات صحفية ردد صداها الجدران وردد هتافها وشعاراتها الساحات والشوارع وأحيانا الكليات ليس غير . بمعنى أن حلمها في التغيير ونشدانها تحويل الوطن إلى مسكن آمن ودافيء للجميع ، لم يتم ولم يتبلور ، على العكس من ذلك، قاد مجموعة من شاباتها وشبانها إلى السجون والمحاكمات الصورية التعسفية والتحكمية . كما أن دفترها المطلبي الواضح لم يبق منه شيء مايعني طُمِسَ أغلبه ، ودفنت أهم نقاطه وبنوده ، على رغم ماحاط الحركة من دعم غير مشروط منذ انطلاقها ، بل وقبل خروجها إلى ضوء النهار ، إذ في 17 فبراير 2011 ، باركت قرابة عشرين هيئة حقوقية مغربية الحركة إياها ، فضلا عن أحزاب سياسية ديمقراطية معدودة وهيئات نقابية وجمعيات ثقافية واجتماعية ونسائية محسوبة ، زد على ذلك انخراط حزب إسلامي مغربي وازن في الحركة هو حزب العدل والإحسان إذ رفدها بالقوة وصلب عودها ، ومنحها زخما وهديرا إلى جانب قوى اليسار الراديكالي تحديدا ، وأطياف الفئة العلمانية تعيينا
لم يشكل مغرب 2011 حالة استثنائية في ماذهب إليه الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع عندما نزل خطاب رئيس الدولة مستبقا تطورات خطيرة ممكنة ، ومتصاديا مع أغلب مطالب حركة 20 فبرلير ، وذلك لأن المظاهرات والاعتصامات الحقوقية والسياسية والنقابية كانت ” تقليدا ” بالبلاد وهو ماانتفى جملة في البلدان
العربية ا لأخرى . استبق الخطاب الملكي انتفاض الحركة الذي كان ينذر بأشرس العواقب والتداعيات ، نتج عنه دستور هو مانستظل به راهنا ، غير أن أهم المطالب شُطبت واستولى عليها خطاب ديماغوجي نفعي زلفوي من كافة الأحزاب الحاكمة الآن وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية ، وهي الأحزاب التي أدارت الظهر للحركة منذ المنطلق ، ورمت أصحابها بأقبح النعوت ، وأشنع الصفات ، متهمة أصحابها و” قادتها ” ب : الهرطقة والمروق ، والدعوة إلى الإباحية والخلاعة و” أكل رمضان ” و المثلية ، والجنس خارج مؤسسة الزواج ، وشرعنة الإجهاض والاغتصاب ، وهلم ترهات وأكاذيب وتخرصات كانت قاصمة للحركة وفكرها
وجذوتها ومطالبها . قصدت بهذه الاتهامات المخدومة والمنسوجة بإحكام ، منابر إعلامية ـ أيضا ـ موثقة و” رموز ” و” شخصيات ” سياسية و” أحزاب ” ، ودليلنا على ذلك ، الأسئلة التالية :
ـ هل ملكيتنا برلمانية ؟
ـ هل دستورنا ديمقراطي كامل الديمقراطية يمثل الإرادة الحقيقية للشعب ؟
ـ هل قضاؤنا مستقل ونزيه كما أراد مونتيسكيو وكما تريد الديمقراطية الحق والعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات ؟
ـ وما مصداقية كلام الحكومة وكلام حزب العدالة والتنمية فيما يخص متورطين في قضايا الفساد واستغلال النفوذ ونهب خيرات الوطن ؟ هل توبعوا ، هل كشف أمرهم أم أن الأمور انتهت إلى ماقاله رئيس الحكومة : ” عفا الله عما سلف
ـ هل أطلق كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي ؟ وهل يتمتع الإعلام والصحافة بعامة بالحرية والديمقراطية المنصوص عليهما عالميا ؟
ـ هل يرفل الشعب الفقير في بحبوحة العيش ؟ وهل تم توزيع الثروة الوطنية وخيرات البلاد على عموم أبناء الشعب بالعدل والميزان والقسطاس ؟
ـ ومامدى إعمال المساواة بين الجنسين واحترام المرأة والرأي الحر والضمير والمتقد ؟
إذا أخفقنا في الإجابة عن الأسئلة أعلاه ، وحتما نحن مخفقون ، فمعنى ذلك أن مطالب الحركة أجهضت ، وأن الربيع المغربي اختنق في المهد واجتاحه الذبول قبل الإيناع ، وأن دار لقمان لاتزال على حالها ، وأن تراجع 20 فبراير الذي صار واضحا للعيان ، هو من صنع صانع ، وهو جزء من جواب عام ؟
محمد بودويك
تعليقات