الأربعاء 24 أبريل 2024| آخر تحديث 9:01 02/09



ثورة النساء

idsalh

في المرحلة الثانوية، ما زلت أتذكر كيف تأثرت وزملاء لي بألبوم “المغاربة تالموت” لمغني الراب البيضاوي “توفيق حازب”، وكيف تمكنت من حفظ جلّ كلماته، وترديدها بين الفينة والأخرى وإن سرا هروبا من ضغط الدروس المتراكمة وقساوة الظروف التي لا ترحم، وما زلت أتذكر أن أحد زملائي وقتها فضّل التوقيع بقبعة ال”بيك الخاسر” ولحيته الرقيقة في كل ما يراه مستحقا لذلك، تأكيدا على رسوخ الحس الثوري لديه.

مرت أيام كثيرة على تلك المرحلة، واختار كل شخص منا طريقه في هذه الحياة وفق ما يراه ملائما. بدوره، شق “البيك” طريقا غير الطريق الذي عهدناه، وأخرج للوجود فيما بعد أعمالا شتى لم يعد أحد يعير لها أي اهتمام.

لكن لما وقفت عمته تحت قبة البرلمان، وتحدثت عن “ثورة النساء”، متحصنة بالفصل (19) من الدستور المغربي الجديد وما جاء به من مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء، رجعت بي الذاكرة إلى الوراء، وحاولت استحضار بعض الألفاظ التي قذفتها شفتا صاحبنا ذات يوم، فوجدت الأمر عسيرا، لأن مياها كثيرة مرّت تحت الجسر، وطبعت في الذاكرة جديدا.

رئيسة فريق الأصالة والمعاصرة واجهت الحكومة في شخص رئيسها متوعدة بحدث لم يسبق له مثيل في التاريخ المغربي، وهو أمر جلل من الناحية الظاهرية، ولكنه في المقابل خطاب سياسي حاولت أن تضرب به سربا من الحمام في آن واحد.

فجل النساء اللائي يكابدن المشاقّ تحت أديم هذه السماء لم يصلن بعد درجة المطالبة ب”المناصفة”، لأنهن ما زلن يفتقرن للخدمات العامة، من تعليم وصحة وبنيات تحتية تقيهنّ شر الإهمال، والموت بين الجبال والثلوج قبل أن يصلن في النعوش إلى أقرب مسلك طرقي.

وما يدور في الردهات وشوارع الرباط من مطالب فئوية ترفعها ثلة من النساء بدعوى النيابة عن البقية، لا يمثل ولو نسبة يسيرة من المطالب الحقيقية للمغربيات. ذلك أن المناضلات الحقيقيات بهذا البلد إنما يتخذن الهوامش مقرا للسكنى، ويناضلن هنالك في صمت، وقلمّا نجد من يلتفت لأنينهن الصامت، اللهم إلا فرقعات إعلامية بين الفينة والأخرى لتوجيه الرأي العام عن قضاياهن الحقيقية، أو أصوات ترفع لمّا تدنو الاستحقاقات الانتخابية بهدف ملإ اللوائح محتملة الشغور.

ولهذا لمّا نطقت “ميلودة حازب” بهذه العبارة هالني الأمر، وفكرت في أمر “سامورا” بطلة رواية “ثورة النساء” ليوسف عبد الودود التي تزعمت حركة نسائية بقلب باريس ضد العقلية الذكورية الشهوانية. لكن الفرق واضح بين الاثنين، فبرلمانيتنا قالت بثورة النساء ومضت لأنها في بلد اسمه المغرب، وأما يوسف عبد الودود فاقتلعت أظافره واحدا واحدا قبل أن يقضي نحبه في سجون البعث السوري.

 

أحمد إدصـــالح







تعليقات

  • التي وقفت تحت قبة البرلمان، وتحدثت عن “ثورة النساء”، متحصنة بالفصل (19) من الدستور المغربي الجديد وما جاء به من مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء هي خديجة الروسي وليس رئيسة الفريق ميلودة حزب.
    جميل أن يتفاعل الشباب مع قبة البرلمان و الأجمل أن يميز بين هذا ذاك لا أن يعلق بناء على ماقاله غيره

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.