الخميس 25 أبريل 2024| آخر تحديث 9:51 12/31



من “الشلح” مول الحانوت إلى “إيكو” مهرج دوزيم: “ليتك سكت !!”

idssalh

يعتبر اللاوعي حسب أب مدرسة التحليل النفسي (سيجموند فرويد)، ذلك الجبل من الجليد الذي لا يظهر منه غير الجزء العلوي، ليخفي في المقابل شخصية حقيقية تتضارب فيها السلوكيات السوية بالشاذة.

وعلى كل حال، يبقى الإنسان في لاوعيه صادقا مع نفسه، معبرا عن حقيقته بعيدا عن النفاق الاجتماعي والتصنع الذي يتفنن في إخفاء كنه الأشياء..

هذه النظرية التي طالما رفضتها عقول شتى وحاولت إثبات أضدادها، أماطت اللثام أخيرا عن نفسها وفرضت علينا تصديق ما ذهب إليه الفيلسوف النمساوي، عبر برنامج أذاعته القناة الثانية (دوزيم)، مودعة ما تبقى من الساعات والدقائق واللحظات في سنة 2014.

كثير منا أعرض مسبقا عن هذا البرنامج، وفضل التدثر لدفع البرد القارس، والنوم على الخد الأيمن، لا لشيء إلا أنه عانى التفاهات الواحدة تلو الأخرى من قنوات القطب العمومي. لكن وسائل التكنولوجيا الحديثة اليوم تتميز بحفظ الشاذة والفاذة، فنقلت للعالمين فقرة مهرج يدعى “إيكو” صوتا وصورة، تحامل فيها بشكل كبير على “مول الحانوت” ليضحك الحضور، ويرضي الساهرين خلف الشاشات، وغنى بسخرية كما يغني “الشلوح”، في خرق سافر لأدبيات الفن والثقافة وأهدافهما النبيلة.

“إيكو” أخطأ كثيرا في حق فئة عريضة من أبناء هذا البلد ممن يمتهنون التجارة، وتطاول على مجتمع عريق احتضنه مذ كان وليدا حتى سلك مسلك التهريج بالقناة الثانية.

ولم يتذكر قط في لحظة نزق أن البسطاء من أجداده الذين هاجروا من البوادي صوب المدن في فترة من فترات التاريخ المغربي إنما ناشدوا لقمة العيش لحفظ ماء الوجه، فوجدوا في التجارة مسلكا نبيلا حتى بنوا فيما بعد إمبراطوريات اقتصادية ممتدة الأطراف، وتحاشوا التسول والابتذال وكسب المال عرضا عن طريق التهريج والسخرية. وحفظوا عن ظهر قلب مقولة أبي موسى الأشعري –رضي الله عنه-:”لو رأيت رجلا يرضع شاة في الطريق فسخرت منه، خفت أن لا أموت حتى أرضعها”.

ولم يتأتى لهم ذلك بالدعة والاستجمام، بل عانوا الأمرين مع قساوة الغربة والمحيط وجشع الجشعين واحتيال المحتالين، مما دفعهم إلى اكتساب اللباقة في الكلام والمرونة في الفعل، فأحدثوا مذكرات صغيرة تؤرخ للمديونية التي تقع على عاتق المشتري وفق منهاج تعاقدي. لكن الأمر لم يجدي نفعا مع مصاصي الدماء، الذين كان من المفروض أن يتناولهم “إيكو” في فقرته التهريجية.

“إيكو” خذل “مول الحانوت” الذي يعد أول من يقابله صباحا، وآخر من تلمحه عيناه حين يروح إلى منزله مساء. خذله ثلاثا: الأولى: حين لم يحفظ له حقه في العيش بكرامة لما سخر منه، والثانية: حين لم يدرأ عنه تطفل المتطفلين أمثاله، والثالثة: لما لم يلزم السكوت حين كان من ذهب.

منحك الله يا “إيكو” موهبة في التهريج والفكاهة، فوظفها في تشخيص أوضاع المقهورين والبسطاء من أبناء هذا البلد، والزم فنا وثقافة يليقان بالرجال، ولا تقل ذات لحظة معتذرا: “لقد كانت مجرد مزحة”، ف”أبو نواس” قد سبقك لذلك وأنشد: “صار جدّا ما مزحت به… ربّ جدّ جرّه اللّعب”.

 

أحمد إدصالح







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.