السبت 20 أبريل 2024| آخر تحديث 11:32 12/21



“ماركو رويس” المغربي

idssalh

ابتُلينا بأمراض نفسية خطيرة، بعضها قابل للستر والبعض الآخر أضحى عصيّا على ذلك، لكن التكنولوجيا الحديثة لها اليد الطولى في مجاراة الأحداث بمختلف أحجامها وأشكالها، ومن ثمة إخراجها للعلن مكشوفة تتحدى النسيان.

فالغش مثلا، ليس بذاك المرض الذي يتطلب مجهودا كبيرا حين يخفيه المبتلون، لكن تكراره يؤدي إلى خلق جو من التطبيع في الذاكرة الجمعية للشعوب، وبين الفينة والأخرى تظهر ظواهر لا تحتمل التخفي وراء ستار النفاق الاجتماعي، ولا تستطيع التواري أمام الأنظار، لأنه وفق ما جاء على لسان “زهير بن أبي سلمى”: (ومهما تكن عند امرئ من خليقة … وإن خالها تخفى على الناس تُعلم).

وما وقع بمركب “مولاي عبد الله” بمدينة الرباط الأسبوع الماضي في مباراة “كروز أزول” المكسيكي، و”ويسترن سيدني” الأسترالي بعد تساقط أولى زخات الغيث خير دليل على ما نقول. فقد أضحينا في لمحة بصر نكتة يتندر بها العالم أجمع في بلد لم يرتكب ذنبا سوى أن مسؤوليه أخطأوا في تقدير أخطأخطأتقدير العواقب.

وقد لا يهمنا هنا النقاش الدائر حول محل الإشكال: أفي العشب أم في التربة التي غُرس عليها؟ !، بقدر ما تستهوينا الأرقام المهولة التي تحمّلها جيوب دافعي الضرائب، ووهبوها لمشروع يُتوخّى منه تسويق صورة حسنة عن بلاد العراقة والمقاومة والتاريخ المجيد.

لكن خيبة الأمل كثيرا ما جابهت الأمنيات، وردت العقول عن غيها نحو واقع مرير نقلته أزيد من خمسين قناة عالمية لجماهيرها الغفيرة. وضحك المعلقون والمحللون حد الثمالة، وسخر منا القاصي والداني، وانتشرت صور “أكبر كراطة” إلى جانب وسائل بدائية لتجفيف أرضية الملعب انتشار النار في الهشيم على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي لتصل إلى كل بقاع المعمور، في تقدير سيء واضح لحجم التظاهرة الكروية ذات البعد العالمي.

وزارة الشباب والرياضة بدورها لما سمعت الخبر وتحققت من مدى مصداقيته وخطورته، سارعت إلى إصدار بلاغ جاف مرتبك، قبل أن تُجمّد أنشطة الوزير الذي يتربع على عرش هذا القطاع بقرار ملكي.

وشاءت الأقدار أن تصادف فضيحتنا الكروية هذه، اعتراف اللاعب الدولي الألماني “ماركو رويس” بارتكابه مخالفة قانونية بعد قيادته السيارة دون رخصة، وهو خطأ –رغم بساطته ظاهريا- سيكلف أيقونة “دورتموند” ما يناهز 540 ألف يورو كغرامة مالية، إلى جانب سمعته التي ستهتز لدى الرأي العام الكروي المتابع لحركاته وسكناته، في وقت تتهافت عليه كبرى الأندية العالمية للفوز بخدمات قدميه.

لكن اللاعب لم يبالي لهذه الإجراءات الزجرية لاستحقاقها ولم يحاول التملص بعد اعتراف، بل تحمل مسؤولية أخطائه لدرجة أنه صرح لوسائل الإعلام قائلا: “أُدرك اليوم أنّي كنت ساذجا جدا.. تعلمت الدرس ولن يتكرر مثل هذا الأمر.”

هذا دأب القانون وروح المسؤولية في المجتمعات التواقة للتقدم، أما نحن فكلما حدثت فضيحة إلا وسارعنا نحو وأدها بالتبريرات الواهية حتى لا تصل للرأي العام، ولو افترضنا جدلا أنها أحدثت جلبة دامت أياما فإنها سرعان ما تختفي بأخرى فتضيع المسؤوليات.

وما دام “ماركو رويس” الألماني قد أخطأ في حق القانون فإنه اعترف بذلك، وتحمل مسؤوليته كاملة اتجاه ما وقع، أما ابن بلدنا هذا فتنقصه شجاعة الأول ليخرج للرأي العام بتصريح يشفي غليله في تحمل الوزارة مسؤولية ما جرى بملعب الرباط. وبالتالي، فتح تحقيق مكتمل الأركان يفضي إلى محاسبة الذي يقف وراء تلطيخ صورة هذا البلد دون محاباة أحد، وبعيدا عن التبريرات التي تنم عن عجز كبير في مواجهة الواقع، فبين التبرير وروح المسؤولية بون شاسع شساعة الجغرافيا الممتدة بين المغرب وألمانيا.

أحمد إدصالح

 

 

 







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.