الأربعاء 24 أبريل 2024| آخر تحديث 5:09 11/27



“أُوسِينَاغْ وَامَانْ”

hibazoom11121-470x313

قد يكون السيد رئيس الحكومة المغربية أطرق سمعه مليا لرسالة وزير الاتصال الذي وقف عن كثب على مشاهد الرعب بوادي “تمسورت”- إقليم كلميم، وحمل معه ذكرى فاجعة أليمة لحقت ضحايا لا حول لهم ولا قوة أمام مياه جرفت كل من وقف في وجهها، فلم تميز “تَاغُولتْ نتمزْكيدْ” (حقل المسجد) عن غيرها.

كما نقل صرخات المواطنين البسطاء وشكاواهم التي تتقطع لها أوصال أفئدة شتى وتدمع لها أعين العميان قبل المبصرين.

ولعل وزير التجهيز والنقل “عبد العزيز رباح” من جهته حمل ما يكفي من الأخبار السيئة لرئيسه في الحكومة حول وضعية الطرقات والقناطر إثر زيارته الأخيرة ل”تشكا”، عقب الغيث الذي شمل جل مناطق الجنوب.

فحسب ما جاء على لسان وزير الداخلية، ست وثلاثون ضحية ذهبت إلى غير رجعة تاركة وراءها عوالي وأسرا منكوبة لشدة وقع الخبر على مسامعها.

وبفضل التكنولوجيا الحديثة، والهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت أخبار ما لحق إخواننا من مصائب جليلة انتشار النار في الهشيم. فشاهد العالم كيف أن الناس يستغيثون ولا مغيث إلا الله، ورأوا مشاهد رأي العين تقشعر لهولها الأبدان، وشاهدوا بالصوت والصورة أناسا تتقاذفهم لجج الوادي إلى غير رجعة، وعايشوا حادث انقلاب شاحنات وسيارات مختلفة الأحجام، بعض ركابها نجوا بأعجوبة وآخرون في عداد الهلكى والمفقودين.

تفاعل الناس مع كل هذه الأحداث، كل بطريقته الخاصة، فمنهم من تحسر وتأسف، ومنهم من بكى حتى اخضلت لحيته، ومنهم من اكتفى بتصوير مشاهد الرعب لحظة بلحظة لعل ذلك يدر عليه دريهمات، أو على الأقل “لايكات” لا بأس بها على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي.

وكثير من الناس سيترددون مليا قبل تصديق هذه الوقائع، لشبهها الكبير بما يقع في أفلام “هوليود” التي يمتزج فيها الواقع بمؤثرات بصرية وخدع سينيمائية متطورة.

 

“فاجعة الجنوب” كما يحلو للبعض تسميتها خلفت في النفوس أثرا عظيما يصعب محوه، منذ بداية فصولها التراجيدية حتى يومنا هذا، وما زال مسلسل الأحداث يتوالى لحظة بلحظة، بدءا بغرق 15 فردا بواد “تمسورت”، مرورا بمشاهد الصراخ والعويل، وانتهاء بنقل الجثامين على ظهر شاحنات الأزبال، في رسالة واضحة مفادها: “لم نقدركم أحياء، فكيف وأنتم أموات؟”.

من هنا وجب علينا أن نضع الإصبع على الجرح، ونحاسب المسؤولين تنفيذا لمبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة، حتى لا يتفرق الدم بين القبائل ويعجز القضاء عن تحديد مكمن المسؤولية. ونسد الخلل حتى لا يتكرر الاستخفاف بالناس أحياء وأمواتا، وحتى لا تعود للواجهة أخطاء قاتلة وأعطاب مفسدة لوطنيتنا.

فالسائق الذي غامر بأرواح الناس له حظ كبير كلفه حياته وحياة آخرين، والقائمون على شؤون النجدة فشلوا في أول اختبار حقيقي لهم، والمنتخبون الذين فضلوا الدفء عن برودة المناخ فتدثروا بدثار الجبن زمن الحاجة ستحسب عليهم رداءة البنيات التحتية بالمناطق المنكوبة، وسيعود للواجهة سؤال الحكامة في تدبير الصفقات العمومية ومشاريع عجزت عن مقاومة الغيث، فكيف بنوائب الدهر التي لا تؤمن !. أما الذين حملوا الجثث في مواضع الأزبال فتلك حكاية أخرى يعجز القلم عن روايتها…

وهنا تذكر الناس فيلما أمازيغيا لمخرجه “عبد العزيز أوالسايح” حمل عنوان:”أُوسِينَاغْ وَامَانْ” (هزنا الما)، بهدف الدلالة على الوضعية الهشة للبنيات التحتية وقصور الخدمات العامة وضعف الوسائل اللوجستية اتجاه أبسط الأخطار.

ووجه الشبه هنا، أن الفيلم يحكي عن إدارة مغربية تدفقت إلى داخلها المياه (هزها الماء)، لعطب في القنوات فاستنجدت بمصلح الأنابيب، وهي في الحقيقة إنما تعاني من فساد نخر جسمها النحيل بدءا بالمدير وانتهاء ب”الشاوش”. فكان الأولى إصلاح ما أفسدته النيات قبل الشروع في إصلاح أنابيب المياه !!.

 أحمد إدصالح







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.