الأمطار التي يبتهج الجميع لسقوطها وريها للأرض، ويصفونها بأمطار الخير، ليست كذلك لساكنة حي بوتاقورت الملتحق حديثا بالمدار الحضري لبلدية تيزنيت.
فمنذ عشر سنوات مع البدايات الأولى للبناء العشوائي الذي استفحل في تلك الربوع أيام كانت تابعة لنطاق النفوذ الترابي لجماعة أكلو، واليوم تحت مسؤولية بلدية تيزنيت وفق وثائق التعمير وإعادة الهيكلة، تعتبر القطرات الأولى لكل موسم الشتاء بمثابة قرع لطبول النذير وبدايات العذاب الأليم لأسر فقيرة تسكن منازل غير لائقة لسكنى الآدميين، فمجرد خمس دقائق من التساقطات تبقى كفيلة بإغراق بيوت هؤلاء عن آخره، ويأتيها الماء من كل جانب ومن تحت جدرانها وأبوابها.
هذه السنة لم تختلف عن سابقاتها بهذا الحي، فأول أمس الجمعة ليلا هاجمت سيول الأمطار التي جمعتها طرق وأزقة الحي وأوراش تجزءاتها السكنية التي تملأ الأرجاء ودون سابق إعلام منازل الضحايا المحيطة بالساحة المركزية للحي، وفي ظرف وجيز تحول الموقع إلى شبه بحيرة تغطي مئات الأمتار المربعة، وحتى من الطريق المعبدة المؤدية من وسط المدينة إلى الحي قطعتها هذه المياه ومنعت السيارات وغيرها ولوج الحي إلا عبر ممرات أخرى تجبر السكان للمرور بها على الدوران والالتفاف عبر الأزقة والدروب.
تيزبريس زارت الحي في عز لحظات المعاناة والتقت نماذج من الضحايا المتضررين من هذه الوضعية، وعاينا حجم الأضرار المادية والنفسية التي نالت هؤلاء، وجعلتهم ينقلون أتاتهم وملابسهم وأفرشتهم إلى منازل ومرائب جيرانهم. كما جعلتهم مخافة أن تهوي على رؤوسهم لتهالك أساساتها بمفعول الرطوبة يتوزعون على جيرانهم للمبيت كل تحت سقف ولو لم يُغمض لنوم جفنا طيلة ليلته، خاصة النساء والفتيات منهم. أما الرجال فكل من تحدثنا إليهم واجهنا بسيل عبارات الاستنكار والتنديد لما يصفونه بلامبالاة المسؤولين عمالة ومجلسا بلديا ووقاية مدنية ومكتبا للماء الصالح للشرب. الجميع يصب جام غضبه عن هؤلاء مؤكدين أن لا أمل لهم فيهم لأن السنوات السابقة كانوا دائما يزورون الحي في نفس الحالة ويوزعون عباراة المواساة والوعود بإيجاد حل جذري لمعاناة الساكنة ـ على حد تعبير المتحدثين ـ، لكن لاشيء يتغير ولا دراسات تنجز ولا قواديس تُزرع، ولا أحد يتذكر هذا المشهد إلا عندما يسمعون أن الضحايا ذاتهم غرقوا بعد خمس دقائق من التساقطات.
من التقتهم تيزبريس من الرجال حكوا أنه مع القطرات الأولى من تساقطات أول أمس الجمعة بادروا مستنجدين بالمسؤولين خاصة من المجلس البلدي والوقاية المدنية والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب، مؤكدين أن كل مكالمة لأحدهم يرميهم منها محدثهم إلى مسؤول غيره، ولم يأتهم العون إلا بعد غرق الحي وجاءت آلية الجرافة بعد أزيد من ساعة من الزمن لتحفر أتربة مكون حاجزا ترابيا يحول مياه السيول إلى موقع به بالوعة لصرف المياه، لكن السكان المتضرين لم ينفعهم من إفراغ منزلهم من الماء الذي دخلها سوى أوانيهم وأيديهم، فقد قضوا الليلة كاملة في دفع الماء خارج بيوتهم. ولم يصبح اليوم الموالي إلا يزيد من حدة قلقهم بما حمله من تساقطات جديدة.
في زاوية أخرى من الحي وقرب نافذة مفتوحة لإحدى المنازل، عاينت تيزبريس اختلاطا مقززا بين مياه الأمطار والمياه العادمة المتسربة من شبكة الصرف الصحي فضاعفت من معاناة جيرانها من السكان.
وغضب هؤلاء بلغ التعبير عنه أشده لما قالت عجوز من بينهم أن لا أحد يستطيع تلبية طلباتهم إلا “جلالة الملك” (فلم نعد نثق في وعود أحد مهما كان ) على حد تعبيرها، مؤكدة أنه في انتظار أي تدخل فستحاول بمعية بناتها اللجوء إلى مسجد قريب من الحي للإيواء تحت سقفه.
تعليقات