الجمعة 29 مارس 2024| آخر تحديث 12:36 11/17



يا أهل سوس: ماذا قدمتم لرجل لولاه ما ذكرتم؟!

يا أهل سوس: ماذا قدمتم لرجل لولاه ما ذكرتم؟!

maxresdefault

 

ووري جثمان “محمد المختار السوسي” الثرى زوال يوم الأحد 17 نونبر 1963، ونفض المشيعون عن أنفسهم غبار الدفن هنالك بالعاصمة السياسية، لما عجز الأطباء عن إصلاح ما أفسدته حادثة سير مميتة في طريق الدار البيضاء-الرباط، بعدما عاد الفقيد من مهمة رسمية، إذ كان زمنها وزيرا للأوقاف.

مات “محمد المختار السوسي” كما يموت باقي البشر، ذهب إلى غير رجعة ولو أن السبب كان حادثة سير مميتة. فلهجت الألسن بالاسترجاع و”لا حول ولا قوة إلا بالله”، وتواترت الروايات، ورفعت الأكف بالضراعة لله عز وجل أن يرحم عزيز قوم كرس حياته لخدمة مشروع فكري وطني عز نظيره.

مات “المختار السوسي” فارتجت أرجاء سوس لهول الفاجعة التي حلت بابن بار خط يراعه الكثير عن هذا القطر، وعن رجالاته المغمورين في الساحة الفكرية والعلمية وقتذاك مقارنة مع من تخرج بمدينة فاس، فكان لكتاب “سوس العالمة” وقعا في الآذان، ونبراسا ينير دجى المداشر والقرى التي زخرت بأسر عريقة خلدت اسمها في تاريخ العلم بالمنطقة، حتى قيل: “لولا المختار السوسي ما ذكرت سوس”.

ولقد شاءت الأقدار أن يكون “المختار” حيا بيننا في مكانة رفيعة استمدها من عائلته الإلغية العريقة، والبعد الروحي للشيخ “العربي الأدوزي”، والد أمه “رقية بنت محمد”. وساعده في تكريس هذه المكانة إفصاحه عن مكنونه يوم استقر به المقام بمدينة فاس يطلب علما في وجه المحتل الفرنسي، ثم ما ناله من المناصب بمغرب ما بعد الاستقلال.

لكن اليوم صار “محمد المختار السوسي” اسما لا يذكر بيننا إلا لماما كأنه لم يقل ذات مرة: “فهذه سوس وجدت من هذا السوسي من يبذل جهوده حول إحياء تاريخ بعض رجالاتها..”. ولم يكن اسمه قط مبتوتا في المناهج التعليمية يدرس بحق على غرار الرجال العظماء الذين دخلوا تاريخ بلدانهم في أوسع الأبواب، ليعرف النشء قيمة هذا الرجل، ويحاولوا السير على نهجه ما استطاعوا لذلك سبيلا. سيما وأن الرجل ترعرع بين أحضان “إلغ” كجزء لا يتجزأ من المغرب “غير النافع”.

ها هي الذكرى الواحدة والخمسون لوفاة “محمد المختار” تلوح في الأفق، وها هم أبناء سوس يحاولون بين الفينة والأخرى التكفير عن ذنب إهمال ذكرى قامة حفظت حق الانتماء والهوية، وحملت على عاتقها مهام النبش في أغوار هذه الأرض، بندوة هنا وهنالك، أو عرض أو تظاهرة محتشمة، وتفاخر بالاسم حين يشتد السجال والنقاش. لكن الذنب لن يمحى ما دامت جل كتب الرجل لم تخرج للوجود في رونق يليق باسمه، وتكثف هيئات المجتمع المدني أنشطتها انكبابا على تراث بذل “المختار” حياته لجمعه وتنقيحه وتدوينه، حتى لا تتألم روحه للإهمال الذي طال هذه التركة النفيسة.

فمن العار والعيب أن تكون بين أظهرنا -أهل سوس- مثل هذه القامات الفكرية ولم نستطع أداء ولو جزء يسير من حقها علينا، لأن الأمر لا محالة يضرب في عمق مصداقيتنا مع ذواتنا ووفائنا لأرواح من قدموا الغالي والنفيس لأجلنا.

أحمد إدصالح







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.