الخميس 18 أبريل 2024| آخر تحديث 12:50 11/05



“ميسي” و”رونالدو” وصناعة الغباء الجماعي

idssalh

لو أمهلت يد المنون الفيلسوف الفرنسي “غوستاف لوبون” حتى أيام الناس هذه، لخصص حيزا كبيرا من كتابه: “سيكولوجية الجماهير” للحديث عما يختلج نفوس مشجعي الجلد المدور بمجتمعات العالم الثالث أو بالأحرى مهووسي “ميسي” و”رونالدو”.

فغالبية الذين يقصدون المقاهي عند كل مباراة كرة قدم، إنما يقومون بذلك حبا في عيون اثنين من اللاعبين لا غير، بالنظر إلى الأضواء المسلطة عليهما من طرف إمبراطوريات وسائل الإعلام العالمية، في زمن الرأسمالية المتوحشة التي لا تقيم وزنا للجماعة، بل تجعل من التضليل الكلامي ديدنها، ومن السفسطة في شقها المظلم سيرتها.

وما دام عالم “الساحرة” المستديرة جزءا لا يتجزأ من الممارسة الاقتصادية ، فإن العقل الرأسمالي قد ابتلعها كلعبة، وجعل قادة هذا الاتجاه يسوقون الأوهام الواحد تلو الآخر، عاما بعد عام دون تعب أو كلل.

ولما آن أوان “الكرة الذهبية” من جديد، وفي إطار استعدادات “الفيفا” امبراطورية هذا الشأن للإعلان عن المرشح الفائز بين مجموعة تم اختيار بعض عناصرها عبثا لتأثيث واجهة الأحداث قبل أن تذهب للأكثر إبداعا على مستوى عالم الإشهار والماركوتينغ، فإن مشجعينا الأعزاء أشبعوا مواقع التواصل الاجتماعي سبا وشتما، ومارسوا عنفا معنويا لا نظير له، وانقسم الناس إلى فريقين: أما الأول فيرى أن “ميسي” هو الأجدر بهذه الكرة، وأما الثاني فيجد “رونالدو” مستحقا لها، كأننا بصدد الحديث عن لعبة تنس يتنافس فيها لاعبان فقط لا غير.

لقد نجح أرباب الرساميل في تسويق فكرة وهمية مفادها أن “السوبر رونالدو” أو”السوبرميسي” هما قطبي الكرة في العالم وما دونهما أشباح تحاول إثبات ذاتها دون جدوى. وهو تضليل كبير نجح به الإعلام في استهداف متتبعي الجلد المدور، خاصة وأن شعوب العالم الثالث قد حقنت بهذا الأفيون الأجنبي إلى غير رجعة.

فتجد غالبية الجماهير لا تميز بين مباراة قوية توفر لمشاهديها عنصر الفرجة والمتعة، وبين مباراة حسمت نتيجتها سلفا بين فريق لا يملك عشاء لاعبيه وآخر أسس امبراطورية تجارية في ربوع المعمور لا لشيء إلا حبا في سواد عيون اللاعبين المذكورين سلفا.

مشكلتنا نحن أبناء العالم الثالث تكمن في الشره الاستهلاكي الذي لم يدع لنا حيزا للتفكير في شأن لعبة تحكمت في العقول، وربطتها بشخصين فقط تكريسا للفكر الرأسمالي المتوحش، ودعاية للشركات الممولة للكرات الذهبية التي تمنح لأشخاص حُددوا مسبقا في سوق الوهم، حتى لو وجد إلى جنبهم لاعبون حققوا منجزات كبيرة على المستوى الجماعي والفردي. وهذا ما دأب الناس على مشاهدته بطرف خفي، فحرم منها “فرانك ريبيري” والإسباني قبله “أندريس إنيستا” وآخرون كثر.. وما واقعة كّأس العالم الأخيرة ببعيدة عنا.

فعلى من استهواهم الوهم والتضليل الكلامي، أن يكفوا عن تبادل السباب والشتائم. وإنما الأسف كل الأسف على ميل الجماهير إلى العاطفة والوهم أكثر من العقل والحقيقة ذاتها، وهو أمر خلص إليه “غوستاف لوبون” في دراسته لنفسية الجماهير وآليات توجيهها. لكن الوهم في نهاية المطاف يبقى وهما والحقيقة حقيقة.

أحمد إضصالح







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.