الخميس 28 مارس 2024| آخر تحديث 8:03 09/10



الفساد يمتحن القضاء فمن ينتصر؟

__________________________657676881

الدخول هذا العام في المغرب، قضائي وليس سياسيا، وزارة العدل وضعت ملفات ثقيلة للفساد الكبير فوق مكاتب القضاة جالسين وواقفين، وهي فرصة أمامهم لإعطاء صور إيجابية عن القضاء تزاحم الصور السلبية الكثيرة الموجودة لدى الرأي العام عن المحكمة وعن أصحاب البذل السوداء.
ابن الجنرال حجار القائد (الزايغ)، الذي حلق رأس شاب في قرية سيدي بطاش فقط، لأن شكله لم يعجبه. سعادة القائد الذي عرف باليد الخفيفة والدم الحامي يوجد اليوم، في الاعتقال الاحتياطي. هذه المرة ابن الجنرال لم يصفع مناضل نقابي، ولم يهن مناضلا سياسيا، بل دفع شابا في مقتبل العمر للانتحار، لأن المسكين لم يحتمل الإهانة على يد السيد القائد، ولم ير من سبيل لمقاومة جبروت رجل السلطة إلا أن علق رأسه في حبل بالإسطبل، وترك الروح تصعد إلى السماء، مادام سكان الأرض لم يعرفوا كيف يتعاملون برفق وكرامة واحترام مع صاحبها، رغم أن التحقيقات الإدارية والقضائية استغرقت وقتا طويلا لأسباب غير واضحة، إلا أن متابعة ابن الجنرال ورجل السلطة طارق حجار من قبل النيابة العامة واتجاه قاضي التحقيق لجعل هذه المتابعة في حالة اعتقال، مؤشر إيجابي إلى أن السلطة، أية سلطة، ليست دائماً فوق القانون، وأن هناك في جسم القضاء من يقاوم من أجل تطبيق القانون، ومن أجل حماية المواطنين من تجاوزات السلطة وجبروتها. سننتظر المحاكمة العادلة للمتهم الذي يبقى بريئا أمام القضاء إلى أن تثبت إدانته، فقد مرت شهور لم نسمع فيها سوى صوت العائلة المكلومة، وهي تشكو وتتضرع إلى الله أن ينتقم من قاتل ابنها. فالبشر، وخاصة الفقراء والمهمشين لا يطلبون عادة من الدولة، أو من الحكومة، أو من القضاء شيئا. يتوجهون إلى الله مباشرة، فهم يعرفون بالتجربة، وبالحياة أن القانون آلة، كل مرة نعزف عليها لحنا مختلفا.

في اليوم نفسه، أحالت وزارة العدل على النيابة العامة، خمسة ملفات ثقيلة لمؤسسات عمومية سبق للمجلس الأعلى للحسابات أن أنجز بخصوصها تقارير (سوداء)، كما أحالت وزارة العدل على النيابة العامة 16 ملفا لرؤساء الجماعات الذين اعتبر المجلس الأعلى للحسابات أن حساباتهم ليست نظيفة، وأنها تستوجب المساءلة الجنائية أمام القضاء.

وزارة العدل لم تعلن عن أسماء هؤلاء، إعمالا بمبدأ قرينة البراءة، وسرية البحث، وحتى إذا كنا صحافيين ضد هذا النوع من التأويل لقرينة البراءة، والتي لا تفرق بين شخص عادي ومسؤول كبير في مؤسسة عمومية، أو سياسي في مجلس محلي منتخب، اختار أن يضع سيرته وصورته وعمله تحت المجهر يوما قبل المسؤولية، بما لها وما عليها. رغم تحفظنا على المس بالحق في المعلومة القضائية للشخصيات العمومية، غير المحمية بالقوانين نفسها، الحامية للأشخاص العاديين غير المتوفرين على أية سلطة، أو حصانة، فإن إحالة هذه الملفات إلى النيابة العامة، يعد مؤشرا إيجابيا على إمكانية تعريض جزء من إمبراطورية الفساد للمساءلة القضائية. لكن هذا يستوجب إبداء بعض الملاحظات.

أولا: على مراكز القرار النافذ والحكومة والأحزاب السياسية في الأغلبية والمعارضة والإعلام والسماسرة واللوبيات، أن يتركوا القضاء يقوم بعمله باستقلالية ونزاهة كاملتين. نحن نعرف بلادنا ولوبيات التأثير في القرار داخل كواليسها. الحيتان الكبيرة الموجودة اليوم في قفص الاتهام لن تظل مكتوفة الأيدي تنتظر المجرى الطبيعي للقانون، سيتحرك بعضها على الأقل للتأثير في القضاء، ومن لم يتحرك سيجد عند بابه سماسرة ووسطاء ولوبيات يعرضون خدماتهم عليه، وكل شيء بثمن. سيعرضون على المتهمين حملات إعلامية منظمة وقوية للادعاء بأن المحاكمة تتم بخلفيات سياسية! وأن هدف هذه القنابل هو الانتخابات المقبلة وغيرها من الادعاءات والأكاذيب!

سيعرض السماسرة خططا للاتصال بالقضاة ومحاولة إرشائهم، وسيعرض هؤلاء لائحة محامين متخصصين في (الغوت والصياح والبوليميك والفرقعات في الإعلام)، وكل هذا حتى لا تقترب العدالة من الفساد، ويظل هذا الأخير محصنا ضد المساءلة.

ثانيا: لابد للنيابة العامة من بذل مجهودات علمية وتقنية لتعميق البحث في تقارير المجلس الأعلى للحسابات بتجرد ونزاهة، فكلنا يعرف أن الشرطة القضائية ضعيفة في مجال البحث في الجريمة الاقتصادية وطرق تدبير دهاليز الاختلالات، وأساليب الفساد الشيطانية التي تدخل وتخرج من القانون كما تريد، دون أن تخشى شيئا. إلى الآن، ليس لدينا نيابة عامة ولا محاكم متخصصة في الجرائم المالية والاقتصادية. ولهذا فإن نقطة الضعف هذه، يستغلها الفساد ليلعب على أوتار القانون كما يشاء.

ثالثا: لابد لرؤساء المحاكم الذين سيوزعون هذه الملفات على القضاة أن يختاروا أفضل ما لديهم من إطار بشري نزاهة، وكفاءة، واستقلالية في الرأي وقوة شخصية. فكم من قاض كفء، لكنه يُباع ويشترى. وكم من قاض نزيه، لكنه يخاف من ظله ويحسب الحبل ثعبانا. وكم من قاض، شخصيته قوية، لكن بضاعته في القانون زهيدة. لهذا، لابد من ربح هذا الرهان اليوم. ولابد من مكافحة الفساد عن طريق القضاء، وإلا فإن إمبراطورية الفساد ستتقوى أكثر فأكثر. قيل: «إن الضربة التي لا تقصم الظهر تقوي صاحبها».

توفيق بوعشرين







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.