الأربعاء 24 أبريل 2024| آخر تحديث 5:29 07/11



هل السياسة فعلا هي “فن الممكن”؟

boukharta_935563882

في البداية أقول أن اختياري لعنوان هذا المقال لم يكن صدفة، بل هو انشغال “خيالي” دائم، يراودني كلما اُخْتُلِيت بنفسي، و”يسافر” بعقلي في عالم افتراضي خاص، لا أراه إلا أنا، لإيجاد الأجوبة الشافية لسؤال العلاقة التقابلية ما بين مكوني الازدواجية التالية “السياسة/فن الممكن”. وأنا في اللحظات التأملية الأولى في هذا السؤال، برز بمخيلتي سؤال آخر في موضوع السياق الذي يمكن له أن يحتمل استيعاب هذا السؤال ويتيح فرص البحث عن أجوبة مقنعة له. بعبارة أخرى، هل يمكن أن نعتبر سؤال عنوان المقال ذا طبيعة كونية عامة، ويمكن طرحه في كل السياقات، أم أنه سؤال خاص مرتبط بالسياقات السياسية في الدول النامية بصفة عامة، وفي الدول العربية المغاربية بصفة خاصة.

كما أود كذلك، قبل تفصيل إشكالية السؤال الأساسي أعلاه إلى أسئلة فرعية لفتح إمكانية النقاش الجدي في هذا الموضوع، أن أشير أنه كيف ما كانت المحاولات لإيجاد مخرج مقبول لهذا السؤال المحوري في السياقات التي نعيش فيها، لا بد من التذكير أن الهدف العام الذي يجب أن يؤطر الفضاء الذي يطرح فيه، بفاعليه وبدرجاتهم التسلسلية في هرم المنظومات المتوافق بشأنها، يجب أن يكون هو البناء، والتقدم في الرفع مستوى الجودة في العمل السياسي وبالتدرج.

فعندما يصادف المتتبع عبارة “السياسة هي فن الممكن”، يتبادر إلى ذهنه مباشرة سؤال آخر يتعلق بأهداف طرح الفكرة من أساسها في السياق الذي يعيش فيه. هل تريد الجهة التي أذاعته على مستوى الرأي العام إيهام الممارس السياسي أن النجاح في العمل السياسي لا يتأتى إلا من خلال “الإبحار” السياسي في الفضاء المسموح به. وكيف ما كانت درود فعل الممارس المستهدف، فهي لا تتعب في محاولاتها لإقناعه بالفكرة، وبسبل متعددة ومتنوعة، منها ما يكتسي الطابع الحواري، ومنها ما يمكن تصنيفه بالحرب النفسية، ومنها ما يكون على نمط التهديد أو الضغط، ومنها ما يكتسي طابع “التخويف” الممزوج بإمكانية “الإيذاء” أو “التصفية السياسية”. أقول “التصفية السياسية” لأننا اليوم، بعدما ساد النظام العالمي الجديد وأزماته المتكررة، استبدلت عبارة “التصفية الجسدية”، التي كانت الأكثر استعمالا فيما سبق، بأسلوب آخر أكثر فتكا بمستقبل الأفراد والجماعات، وهو “التصفية السياسية”. إنها الأكثر فتكا لأنها تستهدف قتل الضمير، وبالتالي تحويل الأجساد إلى كائنات، فيها لحم وعظام ودم، لكن عقلها والأعصاب المتشابكة به لا تستخدم إلا بواسطة أزرار آلات التحكم عن بعد.

نفهم إذن، أن أصحاب الفكرة المحورية في هذا المقال يريدون أن يروجوا أن هناك في السياسة أمورا ممكنة وأخرى غير ممكنة، ودرجة الإمكان مرتبطة بدرجات القابلية للتداول والنقاش والاجتهاد والإبداع….، درجات منها القابل للتنفيذ ومنها من يبقى حبرا على ورق…. كما يريدون أن يقنعوا الفاعل، العارف بالمنظومة المستوعبة للطموحات الممنوحة، كون “الممارسة السياسية” ما هي إلا مرادفا لعبارة “البراكماتية الممكنة”. فحتى في “البراكماتية” يقولون أن هناك المقبول (الممكن) وغير المقبول (غير الممكن) بدون تحديد الحد الفاصل بينهما، وبدون البوح بشكل مباشر أو غير مباشر أن كلمة “المقبولة” فهي تعني “النافعة”، وأن الأنفع للبلاد والعباد هو كذا وكذا……

وعليه، وأنا أحاول إيجاد نسق منطقي و”خط ناظم” لتأملاتي في السطور السابقة، وبعدما تبادرت إلى ذهني إمكانية وضع نفسي مكان ذلك الفاعل الافتراضي المنتمي حزبيا (“العارف” ببعض الأمور)، الذي يطمح إلى الترشيح لدخول المنظومة السياسية لبلده، ويدمج قولا وفعلا في تفاعلاتها، وجدت نفسي أمامي أسئلة متعددة ومتنوعة، سأرتبها أسفله، باحترام تام لأمانة التخيل والحق في التفكير والتعبير، كما تهاطلت ك”أحجار الحصى” على مخيلتي، أسئلة مؤرقة تتعلق في مجملها تقريبا بشروط القبول الافتراضي بالفاعل الحزبي “العارف” نسبيا في الممارسة السياسية التي تعتبر “السياسة هي فن الممكن”:

ما هي أولا وفي بادئ الأمر حدود الممكن في الممارسة السياسية؟
من يحدد هذا الممكن، وكيف، وهل يسمح للتفاوض في تحديده؟
هل هذا “الممكن” قابل “للتوسع” و”التمطيط”؟
هل منطق هذا “الممكن” يقبل المبادرات الداعمة الباحثة على توفير شروط ارتقاءه إلى مستوى تفضيل “الصفاء الذهني” في تحليل الواقع والفعل فيه؟
ما هي الخاصيات والشروط المسموح بها لفتح المجال للمرشح “العارف” بالدخول إلى عمق الفعل السياسي، أو ما قد نسميه ب”المنظومة السياسية العميقة”؟، وبالتالي تمكينه من الولوج إلى فضاءات الإعلام السمعي البصري وكل الفضاءات والمنابر المعروفة للتعبير على أفكاره “المقبولة”؟
هل رواد المنظومة العميقة يشترطون ضمانات لقبول المرشحين العارفين الجدد؟
ما هي خاصية “الضامن”، وكيف تمت ترقيته إلى هذه الدرجة؟
هل هناك درجات تسلسلية في مهام “الضمانة”؟
هل من حق المرشح “العارف” أن يتفاوض ويطالب بضمانات استمراره كفاعل في المنظومة العميقة بعد قبوله؟
…………………

بعد ترتيب هذه الأسئلة بغية طرحها للنقاش، تهاطلت على “رأسي”، في المقام الثالث، أسئلة أخرى، ، جاءت كالتالي:

هل من الضروري أن يكون الضامن ب”شكارته” أم ب”كلمته” أم بنضاله وكفاءته أم له خاصيات أخرى لا نعلمها؟
هل من الضروري أن تتأرجح العلاقة ما بين “الضامن” و”المرشح العارف” ما بين المحفزين المادي والمعنوي فقط؟
هل من الممكن أن يطالب المرشح “العارف” بضمانات قبول حد أدنى من الأفكار على حساب خاصيات أخرى، أم أن جرأته في طرح شرط التفاوض على الضمانات الدنيا بمثابة سبب (سٙبَّة بالدارجة) لإبعاده (ب”الفٙن”)؟
إذا فطن المرشح، واتخذ الاحتياطات اللازمة في كلامه ومداخلاته، هل تتجرأ مختلف مراكز “الضمانة” إلى التواطؤ عليه من خلال اصطناع المسببات الواهية والإشاعات المغرضة للنيل منه، لا لشيء إلا لأنه “عارف”، و”العارف خٙصُو يكون ربما بشٙكٙارْتٔو”؟
في حالة حرص المرشح على ضرورة توفر حد أدنى من الشروط الموضوعية في الممارسة السياسية، هل من الممكن أن يصل رد فعل المنظومة “الضامنة” درجة إلحاق الأذى به أو تصفيته سياسيا؟
…………………

وفي الأخير أقول، أن ما ورد في هذا المقال مجرد تأملات لها طابع خيالي، قد تكون صائبة في بعض السياقات وقد لا تكون في أخرى، لكن ما لا يمكن الاختلاف في شأنه هو كون “التصفية” للفاعل السياسي الوطني “العارف” هو قتل “للضمير” السياسي الحريص على الحفاظ على الحد الأدنى من المقومات في العمل السياسي، وهو قتل “للمستقبل”، مستقبل البلاد والعباد.

لحسين بوخرطة







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.