الخميس 25 أبريل 2024| آخر تحديث 2:20 07/22



المعروف” عند أمازيغ سوس .. طقوس تغرس الأفراح وتقوّي الإصلاح

المعروف” عند أمازيغ سوس .. طقوس تغرس الأفراح وتقوّي الإصلاح

هي واحدة من العادات الضاربة في عمق تاريخ مناطق سوس، تتخذ أبعادا متعددة وتنطوي على طقوس وأشكال احتفالية تتباين بين منطقة وأخرى، لكن القاسم المشترك بينها يكمن في بعدها الديني والاجتماعي على الخصوص، إنها عادة “لْمعروف”، كما يُطلق عليه أهل سوس، وهي تسمية يبدو أنها مشتقة من الكلمة العربية “المعروف”، الدالة على الأمر بكل ما فيه صلاح الناس.

وتُعد احتفالية “لمعروف” بمناطق سوس، التي غالبا ما تنظم في فترات الصيف، فرصة للتواصل وتجديد أواصر اللقاء بين أبناء القبائل الأمازيغية وذويهم المغتربين بداخل المغرب أو خارجه، كما تكون مناسبة للتداول والتشاور والتوافق حول أمور القبيلة، فيما تشكل، في جانب آخر، مناسبة للاحتفاء بطلبة العلم والفقهاء في المدارس العتيقة، وجمع تبرعات تبتغي توفير مستلزمات إقامتهم بهذه المدارس، لا سيما المأكل.

أما أماكن الاحتفال بهذه العادة السوسية، فغالبا ما تكون المدارس العتيقة أو المساجد أو المصليات أو الأضرحة، لما لهذه الأماكن من قدسية في الثقافة الدينية.

بعد ديني واجتماعي

الحسين بسموم، عن اتحاد دواوير آيت بوالطيب للتراث المادي واللامادي، قال في تصريح لهسبريس إن “إقليم اشتوكة آيت باها اشتهر بمناسبة ذات بعد ديني واجتماعي وتضامني، يطلق عليها في أغلب المناطق الشتوكية، الجبلية منها والسهلية، بلمعروف”، مضيفا أنه “من المناطق السهلية التي عرفت انتشارا واسعا للمعروف، وعلى امتداد قرون خلت، جماعة إنشادن، وبالتحديد، على سبيل المثال لا الحصر، دواوير ايت بوطيب، وقد تميز المعروف في هذه الدواوير بنوع من الاختلاف لا يعدو أن يكون شكليا”.

ونقلا عن بعض الروايات الشفهية التي استقاها المتحدّث من مسنّين في بعض دواوير آيت بوطيب، قال بسموم: “يمكن تقسيم المعروف إلى عدة أنواع، معروف متعلق بالمساجد، مازالت بعض الدواوير تحييه سنويا، وبالتحديد إبان موسم الحرث، وهو فرصة للتداول في بعض الأمور المتعلقة بالفلاحة والزراعة، كأدوال مثلا. وبالإضافة الى بعده الديني، فهو يكتسي بعدا اقتصادا وتضامنيا واجتماعيا”.

الذبيحة ركيزة الاحتفال

وعن الاستعدادات لإحياء هذه الاحتفالية، قال المتحدث: “بعض ميسوري الدوار يقومون بشراء ثور أو ثورين وذبحهما في ساحة المسجد، أو أسرير الدوار، أي الساحة، ويتم بيع الجلد والأطراف في سمسرة، وبعد ذلك يقسمون بقية اللحم إلى ڭروع، ومفرده ڭرعة؛ أي حصة، بعدد “كوانين الدوار”، ويبيعون اللحم بثمن رمزي من أجل جمع مبلغ الشراء، ويتصدقون على الأرامل والمحتاجين”. ويطلق على حصة اللحم ببعض الدواوير الناطقة بالأمازيغية “تسكيوين”.

“يتم أخذ اللحم إلى البيوت، حيث يقوم كل كانون بطهي قسط منه وإحضاره في الليل إلى مكان إقامة لمعروف، إما عبارة عن طجين أو كسكس محلي (بداز) أو ما شابه ذلك. وبعد صلاة العشاء، يتناول الجميع تلك الأطباق، ويتم التداول في أمور الدوار والتأكد بعد ذلك من أن الشخص الذي أنفق في شراء الذبيحة قد تسلم مبلغه كاملا، وما فضل من المبلغ يخصص لأمور المسج. وفي الأخير يتم الختم بالدعاء”، يورد المتحدث.

“معروف” الساحة الكبرى

الصنف الثاني من عادة المعروف، هو معروف “أسرير”، أو الساحة الكبرى بالدوار، وهذا النوع تقلص بشكل كبير، نظرا لعدة عوامل، منها الزحف السكاني، ووفاة بعض أعيان القبيلة الذين كانوا يشمرون عن سواعدهم لأجل تنظيم الاحتفالية.

ومن أنوع هذا الصنف ما له ارتباط ديني محض، وخصوصا المتعلق بالزوايا، لا سيما بعد بناء مقراتها بجانب المساجد، ومنه معروف “الرما” الناصرين، نسبة إلى الزاوية الناصرية، وهو أحد أكبرها على الأقل على صعيد إنشادن وبلفاع. هذا المعروف كان يستغرق ثلاثة أيام، وكان يقام بـ”فوم أنوض” بدوار القلعة بدوار البويبات، وكان يسهر عليه حوالي 30 شخص من الرما، يتزعمهم حماد بن علي البوهالي، مقدم الزاوية الناصرية بالبويبات في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وبعده المقدم كوسير العربي بن حماد.

هذا الصنف الأخير من “”لمعروف”، يتم التحضير له أربعة أشهر قبل انعقاده، ويقوم “الرما” بالتنقل عبر جميع تراب المنطقة على متن الدواب، ويجمعون الصدقات، التي تكون غالبا عبارة عن حبوب وسكر وشمع ونقود، ثم يبيعون ما جمعوه ويشترون بثمنه الذبائح. وبعد ذلك، ينظمون هذا المعروف بالطريقة نفسها التي ينظمون بها معروف المساجد.

وهناك معروف آخر كان يقام بدوار كحايز، وهو معروف علي بن ناصر، كان يقام بساحة في الدوار تسمى “المركع”. ويقال إن الشيخ علي بن ناصر هو ابن سيدي الناصر المتواجد في ضريح بالشويف غرب بن كمود. وإلى حد اليوم، مازالت نساء دوار كوحايز يحتفلن بهذا المعروف، ويزرن هذا المكان باستمرار، وخصوصا كل يوم خميس وفي ليلة القدر.

معروف “تركانت”

تنوع أمكنة الاحتفال بعادة “لمعروف”، لم تقتصر على أماكن مغلقة، بل تجاوزتها إلى فضاءات قد تكتسي قدسية في المتخيل الشعبي المحلي؛ حيث إنه في دوار آيت بايه، بجماعة إنشادن، فالاحتفال قديما كان يتم تحت ظل شجرة كبيرة للأركانت “تركانت”، تدعى سيدي عبلا بالناصر، وهي شجرة أركان معمرة.

الشيء نفسه بالنسبة لساكنة دوار ايت الجراري بدوار البويبات، التي مازالت تحتفل وتحيي معروف “تغريبة”، الذي يقام هو الآخر تحت شجرة أركان كبيرة معمرة.

وفي جانب آخر، قال الحسين بسموم: “لقد تم اختزال المعروف حاليا في بعض الأزقة والأحياء الصغيرة، وهذا هو الشائع الآن، كمعروف حي إزم وآيت باق، وآيت الحاج وغيرهم، فضلا عن المعروف الخاص ببعص الأضرحة كسيدي المظهور بالبويبات، وجامع تسرا، أو بعض المناطق التي تكتسي قدسية لدى الساكنة، كمجمع الصالحين بالبويبات في منطقة المصلى فوق الطوف الذي مازالت النساء يقمن به، وخصوصا في فصل الشتاء”.

“تِيوْلْتْ” معروف

اختارت ساكنة بعض القبائل المتواجدة غير بعيد عن المدار الساحلي باشتوكة آيت باها أن تعطي لـ”المعروف” الذي تواظب على الاحتفاء به سنويا اسم “تِيوْلْتْ”، والمصطلح مشتق من الكلمة الأمازيغية “تاوالا”، أي التناوب.

وأورد أحد الواقفين على هذه التظاهرة بمنطقة “الرويس” في جماعة سيدي بيبي، التي تكتسي طابعا دينيا بامتياز، أن عددا من الدواوير، كالعزيب، إفريان، الدويرة، الرويس وأولاد ميمون، كان سكانها يواظبون على استقبال طلبة العلم المقيمين بالمدرسة العتيقة “بنكمود” بالتناوب في دواويرهم، ويوزعونهم على المنازل لمدة محدّدة، حيث يستفيدون من زكاة المحاصيل الزراعية وغيرها من أجل مساعدتهم على ضمان استمرار في التحصيل العلمي الديني.

وأضاف المتحدث ذاته: “مع مرور الزمن، وإلى حدود منتصف السبعينات من القرن الماضي، بدأت هذه القبائل تتخلى عن هذه العادة الدينية، ليبقى دوار الرويس الوحيد المحافظ عليها إلى الآن، مع تغيير في نمط الاحتفاء، الذي تحول إلى استقبال الطلبة بشكل جماعي داخل المسجد، من غير أن يتنقلوا إلى الدواوير”.

وأبرز أن التغيير الذي طال شكل الاحتفال بـ”تيولت” تجلى في كون نساء الدوار هن من يتطوّعن لعملية الطبخ، فيما شباب الدوار يقومون بكل العمليات الأخرى، بينما يتكلف المحسنون والساكنة بتوفير كل متطلبات المعروف، بما في ذلك تقديم معونات مادية لطلبة القرآن.

“هناك ميزة ينفرد بها معروف تيولت”، هي قيام طلبة القرآن، منذ فجر يوم الاحتفال، بالسير مشيا على الأقدام، وتلاوة القرآن والأمداح النبوية من المدرسة العتيقة بنكمود إلى مكان الاحتفال بمسجد الرويس، وهو طقس ضارب في عمق العادات المصاحبة لهذه الذكرى السنوية، التي تصادف الاحتفال بالموسم السنوي سيدي بيبي”، على حدّ تعبير المتحدّث ذاته.

“لمعروف” متوارث

محمد بنتاجر، أستاذ بجامعة ابن زهر مهتم بالشأن الديني، اعتبر في تصريح لهسبريس أن “الاحتفال بالمعروف سنة حميدة تم توارثها عن الأجداد، ولها تميز كبير في سوس، يجتمع خلالها سكان القبائل على مائدة القرآن وإكرام الطلبة النجباء والفقهاء ومساعدة المحتاجين، وتتنوع أماكن الاحتفال حسب عادات كل قبيلة، من غير أن ننسى ما توليه الدولة لهذه المعارف والفعاليات الجمعوية، حيث لا حظنا تجديدا في أساليب الاحتفال، ودخل المجتمع المدني بالتكفل بكافة مستويات إحياء المعروف، كما أنها فرصة لصلة الرحم ومحطة لتناول فرص النهوض بالقبائل، وجمع الهبات أو تجديد مكاتب هذه الهيئات المدنية بحضور أبناء القبيلة المقيمين والمغتربين”.

لكل مآربه

تختلف إذن طرق وأساليب وأماكن احتفال سواسة بعادتهم “لمعروف”، غير أن الظاهر أن لها قدسية في المتخيل المحلي، ولا أدل على ذلك من الحضور الكثيف لأبناء المناطق المحتفلة، من المقيمين بتلك الدواوير أو من الذين يأتون من مختلف مدن المغرب أو حتى من خارجه، متحمّلين عناء التنقل، لا لشيء إلا لرمزية وأهمية هذه المناسبة السنوية في نفوس هؤلاء.

ويبقى “لمعروف” واحدة من العادات المميزة لسكان سوس، الذين ظلوا متشبّثين ومعتزّين بها، لما لها من أهداف دينية واجتماعية، تترك بصمتها على المستوى التنموي والاجتماعي والديني، وتدعم مواصلة طلبة حفظ القرآن في تحصيلهم العلمي.

رشيد بيجيكن – هسبريس

===

الصورة من دوار ” بونكارف” جماعة أربعاء رسموكة اقليم تيزنيت 







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.